إياك أعني فافهمي يا جارة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مر رجلٌ حكيمٌ على قوم من الأطفال يلعبون، فأخذ أحدُهم حصاة و رمى بها الرجل، ولمَّا لم يرَ من الرجل ردة فعل كررها ثانيةً و الأطفالُ الآخرون يرقبون فعله.
توقف الرجل لحظة ناظراً إليهم و هو يبتسم، فتملك الأطفالَ صمتٌ و وجلٌ متسمرين في أماكنهم وكأنما على رؤوسهم الطير.
دنا الرجل منهم، و توجه نحو الذي رماه، فأعطاه ريالاً واحداً، و مسح على رأسه، ثم مضى إلى حال سبيله.
استغرب الأطفالُ من فعل الرجل قليلاً، ثم ضجُّوا بالضحك، و أخذ من حصل منهم على المال يهلل فرحاً و يطير طرباً، و ترسَّب يقينٌ في ذهنه بأنه يستطيع الحصول على المال بهذه الصورة، ثم عادوا إلى ما كانوا عليه قبلاً، و صاحب الريال صار نظرُهُ متعلقاً بمن سيمر عليهم لاحقاً.
و لم يدمْ انتظاره طويلاً؛ إذا لمح خيالاً مقبلاً يدنو منهم مسرعاً، فتهيأ بحجر و تهيأ الأطفال الآخرون معه أيضاً بمثل ما فعل، و أخذوا ينتظرون مرور الضحية الثانية، فلما أن صار موازياً لهم، بدأ برميه بالحجر أولاً، فأصاب رأسي أعرابي جلف الطباع ، فأدماه.
فأسرع الأعرابي إليه قبل أن يبدأ الآخرون رميه بما لديهم من الحصى، و أخذ يضربه ضرباً شديداً أرعب الأطفال الآخرون ، و جعلهم يرمون بما بأيديهم هاربين، ثم مضى إلى حال سبيله.
أخذ الطفل يتجرع مرارة الدرس الذي تلقاه عائداً إلى أمه.
و هنا إخوتي أقف قليلاً و إياك لحظة تأمل.
لحظة أتقاسم و إياكم فيها الرأي و نتجاذب أطراف الحكمة حتى نفيد و نستفيد و يصبح للكلمة معنى و للحوار قيمة و للرأي فائدة، فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها، أليس كذلك؟؟.
و لكي لا أطيل عليكم أقول لكم:
هكذا بعضنا لا يفهم ما وراء الأفعال، سطحي التفكير، ينظر من زاوية ضيقة، يسيء الفهم، و يحكم على الآخرين بالبلادة و جمود الإحساس، فأمثال هؤلاء يجب أن يُضربوا حتى يفهموا.
على أننا أحياناً نحتاج إلى من يضربنا حتى يفهم غيرُنا لِمَ ضُربنا، وتلك حكمة بالغة، لا لأننا أسأنا، بل ليعلم غيرُنا من السواد الأعظم أنه مسيءٌ غارقٌ إلى أذنيه في الإساءة.
و الأعجب الأمرُ مما ذكرتك سلفاً أن أقواماً آخرين لا من هؤلاء و لا من أولئك، إذْ لا يمكن أن تصل إلى قلوبهم قطرة فهم، و لا إلى عقولهم لحظة موازنة حتى و إنْ ضُربوا أو ضُربنا، فلا ينفع معهم حكمة الحكماء و لا فضاضة السفهاء.
فإياك أعني فافهمي يا جارة
و الحديث ذات صلة