البحث عن طرق التدريس الحديثة
مقدمة:
لما كانت التربية تُعنى بفلذات الأكباد، ليكونوا حملة للأمجاد، ولما كان الأبناء محط الأنظار، تحاورت بشأنهم كل الأفكار، وتعددت طرق التدريس والتمحيص، فتعددت طرق التدريس ، فصار هَمُّ المربين والباحثين، الغور في أفضل التجارب للتأسيس.
فتألفت في المجتمعات ينابيع العلم والمعرفة، مشاعل الضياء. . وانتشر المعلمون في كل الأنحاء….ينشرون العلم ويلقون بالمعرفة فهم فرسان التربية وحاملي مشاعلها، فإليهم أسمى تحية.
منذ أواسط الستينات من القرن المنصرم أضحت التربية بعدا مهما من أبعاد التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، في تحليل الظواهر الاجتماعية عموما وما يتصل بها بتنمية الإنسان و المجتمع على وجه الخصوص. وبذلك أصبح الاستثمار في مجالات النشاط الإنساني، و هو ما أدى التوازي إلى إعطاء مبدأ الفعالية قيمة جوهرية.
إن أية إجراءات تتخذ لحماية البيئة والمحافظة عليها ومواجهة مشكلاتها ينبغي أن تبدأ بالإنسان باعتباره المسؤول عن ظهور هذه المشكلات وذلك نتيجة سلوكه تجاه بيئته وتبصره مشكلاتها وقضاياها المختلفة مما يجعله يسعى إلى فرض القوانين والتشريعات التي تضمن حماية بيئته، والأساس في هذا الشأن يرجع إلى تربية الإنسان نفسه تربية بيئية يفهم من خلالها أسس التفاعل الصحيح مع بيئته ويقتنع بأهمية المحافظة عليها ويسلك السلوك البيئي المناسب تجاهها ولن يتم ذلك إلا من خلال المؤسسات التربوية المختلفة التي يهتم بتنمية ميوله ومعارفه واتجاهاته نحو بيئته
أشير هنا، إلى تطور النظريات التربوية تبعا لتطور الفكر الفلسفي والسوسيولوجي و انتشار مبدأي الديمقراطية و حقوق الإنسان بالشكل الذي أصبح معه الفرد لاعبا رئيسيا في تربيته الذاتية و سعيه الشخصي للحصول على المعارف و المعلومات بحسب ما يتطلبه تكيفه مع الحياة المهنية والاجتماعية و ما تدفعه إليه تطلعاته الشخصية.
وفوق هذا وذاك، علينا التعريج على حاجات المجتمع المتزايدة للمختصين في مجالات العلوم الإنسانية عموما و العلوم التربوية خصوصا تبعا لإدراك أصحاب القرار أهمية إضفاء البعد الإنساني على كل نشاط بشري لما لذلك من أثر على الجدوى الاقتصادية من ناحية و على توازن العامل الاجتماعي على الصعيد الشخصي من ناحية أخرى و للتفاعل الممكن بين هذا المتغير و ذاك.
هذه بعض العوامل المؤدية إلى الحاجة للعلوم الإنسانية التي من بينها علوم التربية في مجتمع مازال في طور النمو وجعل من تحقيق الامتياز شعارا يسعى من ورائه إلى الانخراط في المجتمع الإنساني و الاقتراب قدر الإمكان من المجتمعات المتقدمة.
ولما كان التواصل والتفاعل الذي يحدث بين الإنسان والبيئة التي يعيش فيها مركزاً مهماً في مجال البحوث والدراسات التربوية التي تستهدف تحسين وتطوير ممارسات التعلّم والتعليم وتطويرها، وتحسين نوعية مخرجات التعلّم المرتبطة بتلك الممارسات ومستواها. فإن نظرية التفاعل الاجتماعي في التعلم تقول: إنّه رغم استحالة أي تصرف إنساني، في غياب الكائن الحي والبيئة التي يعيش فيها، فإنّ الإنسان لا يتعلم إلا بالتفاعل والتواصل مع الآخرين، وإنّ السلوك الذي يظهر سيعكس بالطبع حاجات الفرد ومجتمعه وتوقعاتهما وقيمهما.
ذلك أن العلاقة بين التعلم والتواصل علاقة عضوية وظيفية تبادلية، فالتعلم لا ينشاً في فراغ ولا من فراغ، وإنما في وسط تفاعلي نشط بين الأطراف المشاركة فيه في سياق خبرة خاصة. وقد يكون للطرف التواصلي حضور مباشر وجهاً لوجه مع الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى
وهكذا يمكننا النظر إلى عمليات التعلّم والتعليم بوصفها عمليات تواصل وتفاعل هادفة، أي أنها عمليات بناء منظومة من الرسائل المتبادلة ما فيه من الأهداف والتعليمات والاستجابات، بقصد إحداث تغييرات وتطويرات سلوكية محددة في الإنسان. وقد تكون تلك التغيرات المقصودة والمرغوب فيها في أي من مجالات المعرفة كالحقائق أو المفاهيم والمبادئ أو النظريات والمهارات العقلية. . أو في مجالات الأداء النفسي والحركي كالمهارات الأدائية العملية والتعلمية والفنية والاجتماعية والمهنية أو في مجالات تهذيب الانفعالات والعاطفة، وتطوير الوجدان كالاتجاهات والميول والعادات والقيم.
من هنا كانت كفايات التواصل بأشكالها ووسائطها المختلفة (اللفظية وغير اللفظية) وإتقان مهاراتها وفنونها متطلباً أساسياً لمقدرة الفرد على التعلّم؛ لأنّ التعلم تواصل والتعليم تواصل، ومن لا يتقن فنون التواصل ومهاراته لا يستطيع النجاح في أداء مهماته وتحقيق أهدافه؛ فأنماط ووسائط التواصل التي يستخدمها المرء في سعيه لتحقيق غاياته، ومدى إتقانه لمهارات استخدام تلك الأنماط والوسائط هي التي تقرر مدى نجاحه أو إخفاقه في بلوغ أهدافه، فهي إمّا "أنْ تعيق العملية التعليمية أو تدفعها في الاتجاهات المرغوب فيها" ويرى كثير من المربين "أنّ التربية بمجملها شكل من أشكال التواصل، وأنّ المنهاج التربوي بكليته، الظاهر منه والخفي هو شكل من أشكال التواصل .
والتواصل بهذا المعنى يشمل التفاعل مع كل ما هو مرئي ومكتوب ومسموع، من كلام وصور وأفعال وحركات وإيماءات، وأعمال تؤثر في طبيعة اتجاه التفاعل وشدته، والتواصل بين الأطراف المشاركة والمشتركة فيه. والتواصل الفعّال هو الأداة الرئيسة في التعلم وتحقيق أهداف المنهاج المقرر بوجهيه الظاهر والباطن.
ختاما للمقدمة هذه نقول: إن طرق التدريس التقليدية التي أشبعت نقدا وقدحا لم يأت بها المعلم من بيته وإنما هي مهارات تعلمها واكتسبها في المؤسسة التي تخرج منها, فإذا لم نغير نمط التأهيل الأساسي للمعلم فان التدريب أثناء الخدمة لا يساعد كثيرا على جعل المعلم يطبق بكفاءة أساليب تدريب حديثة مثل التعليم التعاوني والتعلم الذاتي والتفكير الإبداعي ومهارات البحث العلمي والاستنباط والاستقراء واستخدام تقنيات التعليم الحديثة وغيرها, ومن الصعوبة بمكان تحقيق افضل معدلات تأهيل المعلمين بدون تأهيل مدربين أكفاء لتدريب المعلمين قبل البدء في التدريس وأثناء الخدمة, وهذا لا يتم بدون التنسيق الدقيق بين الجهات التي تؤهل المعلمين ووزارات التربية