تقوم الفكرة القومية على مبادئ وأسس، وهي : اللغة، والتاريخ، والأرض، والعرق، فأي قوم تجمعهم هذه الخصال فلهم الولاء القومي وحق النصرة، بغض النظر عن المعتقد والدين، لأن الدين والاعتقاد لا اعتبار لهما في نظر الفكرة القومية وعند دعاتها من القوميين، فالقومية هي تكريس للعلمانية الكافرة التي تدعو إلى فصل الدين عن الدولة والحياة.
و عليه فإن القوم الذين تجمعهم اعتبارات القومية ومبادئها يكون طاغوتا ومعبودا من دون الله، لأن الولاء والبراء، والحقوق والواجبات تقسم وتعطى على أساس الانتماء إليه، فمن كان من القوم فله الولاء والنصرة وكامل الحقوق وإن كان من أطغى طغات الأرض، ومن كان من خارج القوم فليس له شيء من ذلك وإن كان من أتقى أهل الأرض !
و باختصار فإن الفكرة القومية توجب ما حرم الله، وتحرم ما أوجب الله، وهذا هو الكفر البواح الذي لا ريب فيه. وبالتالي فإن اعتقادها والانتصار لها هو اعتقاد بالطاغوت وانتصار له.
أما الإسلام فإنه يوجب الموالاة والمؤاخاة على أساس الاعتبار الإيماني الديني العقدي، وجعل التفاضل بين الناس بالتقوى والعمل الصالح، بغض النظر عن لغاتهم وأجناسهم، وديارهم.
كما قال تعالى : إنما المؤمنون إخوة سورة الحجرات، الآية : 10. ، فهم إخوة وإن اختلفت قومياتهم وجنسياتهم ولغاتهم، وهم بعضهم أولياء بعض كما قال تعالى : المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض سورة التوبة، الآية : 71..
و قال : أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء سورة الكهف، الآية : 103.، فجعل المانع من موالاتهم هو أنهم كفروا وإن كانوا ينتسبون إلى قومية واحدة، بل إلى عائلة واحدة ومن أبوين اثنين.
و قال تعالى : أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون سورة القلم، الآية : 35.. فهم لا يستوون وإن كانوا من أبناء قومية وجنسية واحدة. وقال تعالى : أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار سورة ص، الآية : 28..
و كذلك قوله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير سورة الحجرات، الآية : 13.. فجعل التفاضل في التقوى والعمل الصالح.
و في السنة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي، وليس كذلك إن أوليائي منكم المتقون، من كانوا وحيث كانوا" رواه ابن أبي عاصم في "السنة" وصححه الشيخ ناصر في التخريج.
وقال صلى الله عليه وسلم : "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".
وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله قد أذهب عُبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام هم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن" رواه أحمد، وأبو داود، صحيح الجامع : 1787.. وقال : "إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بِهَنِ أبيه ولا تكنوا" رواه أحمد، والترمذي، صحيح الجامع : 567. قال ابن الأثير في النهاية، التعزي الانتماء والانتساب إلى القوم، فأعضو بهن أبيه : أي قولوا عض أير أبيك أ هـ.
.
و قال : "من ادعى دعوى الجاهلية فإنه جثا جهنم" جثا جهنم : أي من جماعات جهنم.، فقال رجل : يا رسول الله : وإن صلى وصام.؟ فقال : "و إن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله التي سماكم : المسلمين، المؤمنين، عباد الله" صحيح الترغيب والترهيب، 553.
.
و قال : "ليس منا من دعا بدعوى الجاهلية" صحيح سنن النسائي : 1756..
و كل دعوى غير دعوى الإسلام فهي دعوى جاهلية، وكل رابطة تقوم على غير رابطة الإيمان والعقيدة فهي رابطة جاهلية يجب نبذها وبغضها والترفع عنها…
و ما قلناه في القومية يقال في القبيلة أو العشيرة التي تعقد التناصر والولاء بين أفرادها على أساس الانتماء إلى القبيلة بغض النظر عن الدين وسلامة الاعتقاد، بحيث كل من ينتمي إلى القبيلة أو العشيرة ويقر بنظامها وعاداتها يجب أن يُعطى من الولاء والنصرة - وإن كان كافرا - ما لا يعطاه ابن قبيلة أو عشيرة أخرى وإن كان من المسلمين المؤمنين.
و بذلك تكون القبيلة - ونظامها - في نظر أبنائها إلها مطاعا من دون الله، فالذي توجبه القبيلة تطاع فيه وإن كان في الشرع محرما، والذي تنهى عنه تطاع فيه وإن كان في الشرع واجبا، وهذا عين الكفر والشرك كما قال تعالى : و إن أطعتموهم إنكم لمشركون سورة الأنعام : 121..
و من صور الولاء المعهودة عند بعض القبائل والعشائر تماجدهم وتفاخرهم بالأجداد والآباء بغض النظر عن استقامتهم وسلامة دينهم، وهذا مما لا شك فيه أن الإسلام قد نهى عنه، وحذر منه أشد التحذير.
كما في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "انتسب رجلان على عهد موسى، فقال أحدهما : أنا فلان بن فلان، حتى عدَّ تسعة، فمن أنت لا أم لك ؟ قال : أنا فلان بن فلان ابن الإسلام، فأوحى الله إلى موسى أن قل لهذين المنتسبين : أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم في النار، وأما أنت أيها المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة" رواه أحمد، والنسائي، والطبراني، صحيح الجامع : 1492..
فمن كان منتسبا ومتفاخرا ولا بد، فلينتسب إلى الإسلام وإلى من كان منتسبا إلى الإسلام. ورحم الله القائل :
أبي الإسلام لا أب لي سواه
إن افتخروا بقيس أو تميم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين