نجح في إختراع محرّك السيارات لكنه عرف نهاية مأسويّة
ألمانيا تحتفل بذكرى كارل ديزل الذي "حرّك العالم"
صلاح سليمان
GMT 1:00:00 2010 الأحد 21 مارس
أحيت المانيا عامة ومدينة اوجسبورج خاصة ذكرى مولد كارل ديزل مخترع اول محرك للسيارة، واقيمت ككل عام في مسقط رأسه في مدينة اوجسبورج احتفالات للتذكير به وباختراعه الذي "حرك العالم".
ميونيخ: اصبحت السيارة جزءًا مهمًّا من حياة الانسان، كثيرون يهتمون بأنواعها وماركاتها العالمية وصالوناتها الفاخرة، ولا يتوقّفون عن السؤال عن الجديد والمثير في عالم السيارات. وفي المقابل هناك قلة قليلة من الذين يهتمون بتاريخ صناعة السيارات كيف نشأت الفكرة؟ ومن هو المخترع؟ وما هي اكثر الدول تفوّقًا في هذه الصناعة؟
في جنوب المانيا وتحديدًا في مدينة اوجسبورج التي شهدت مولد المخترع الالماني العظيم رودولف كريستيان كارل ديزل نجد الاجابة. ففي الثامن عشر من اذار- مارس العام 1858 ولد كارل ديزل اول من اخترع محرك سيارة في العالم في مدينة اوجسبورج الالمانية ، وفي مناسبة مولده في كل عام تنظم المدينة عدة فعاليات احتفالية للتذكير بهذا المخترع العظيم وكذلك مواصلة التقدير والعرفان والاعتراف بفضله على البشرية في مجال الحركة الميكانيكية، حتى انه يلقب في المانيا "بالرجل الذي حرّك البشرية".
ان نظرة في تاريخ هذا الرجل ، وقراءة في مدى عبقريته ونبوغته ستكون مفيدة لكل المهتمين بعالم السيارات. ولد رودولف ديزل لآبوين ألمانيين مهاجرين في باريس، ومنذ نعومة اظفاره ، ادرك والداه مدى نبوغته وتفوقه العلمي ، حيث اظهر حبًّا شديدًا لعلوم الهندسة والميكانيك التي اهلته وهو في سن الثانية عشر من الحصول على جائزة من إحدى المؤسسات الفرنسية مكافأة له على تفوقه الدراسي. اثر ذلك ارسله والديه الى احد الاقارب في مدينة‘‘ اوجسبورج ‘‘ في جنوب المانيا حيث التحق بالمدرسة الصناعية فيها، وتأهّل منها في الالتحاق بجامعة ميونيخ للعلوم التطبيقية.. وفيها بدأ فصلاً جديدًا من حياته العلمية تمثل بتحقيق حلمه في دراسة هندسة الميكانيك والتفوق فيها.
تحقيق الحلم
محرك ديزل الاول في المتحف الالماني
كان ديزل وهو طالب في العشرينات من عمره ينظر دائمًا الى المحرك البخاري الذي يستهلك الطاقة بكثافة- والمستخدم آن ذاك في المعامل الصناعية والآلات الميكانيكية والسفن وغيرها على انه اختراع غير عملي، وراحت فكرة البحث في كيفية اختراع بديل يتميز بالقوة وتوفير الطاقة، بل ويكون اقل تكلفة تراوده طوال الوقت.
كان يؤمن بأن كل اختراع هو نتاج لعنصرين: احدهما الفكرة والاخرالتطبيق وهي الفلسفة التي جعلت خياله الخصب في علوم الميكانيك يثمر عن فكرة اختراع اول محرك يعتمد على مبدأ الاحتراق الداخلي بتحويل الطاقة الكيميائية الكامنة في الوقود إلى طاقة حركية عام 1890، مما يعني الحصول على محرك ذي كفاءة أكبر مقارنة مع المحركات الأخرى الشائعة في ذلك العصر، واختار له اسم "اوتو موتور".
وهكذا بدأ ديزل العام 1893 ابحاثه وتجاربه لاختراع محركه في مصانع شركة MAN للمحركات في مدينة آوجسبورج في جنوب ألمانيا ،التي رصدت له 600000 مارك بالتعاون مع ملك صناعة الصلب في مدينه ايسن أنذاك ‘‘فريدرش كروب‘‘ من اجل الابحاث على المحرك الجديد وقد تطلب ذلك عملاً شاقًا وسنوات متعدّدة من البحث والتجربة تعرض فيها لكثير من الاحباطات ، فقد تشكك زملاؤه في امكانية نجاح تجاربه كما ان حياته تعرضت للخطر أثناء إحدى التجارب عندما انفجر المحرك وتطايرت قطعه في الهواء مما كاد أن يودي بحياته ومن معه.
غير ان ولادة حلمه العسيرة اصبحت حقيقة بحلول عام 1897 اذ تمكن فيه من تشغيل المحرك لاول مرة وكان بقوة عشرين حصانا، وبهذا الاختراع أحدث انقلابًا كبيرًا في علوم الهندسة الميكانكية وسجل الاختراع باسمه‘‘ ديزل ‘‘ وهو الاسم الذي يحمله المحرك حتى الان، وما زالت النسخة الاولى للمحرك وبالشكل نفسه الذي تصوّره محفوظة في المتحف التقني العالمي في ميونيخ حتى اليوم، ويحرص على مشاهدتها شباب المهندسين من كل انحاء المانيا والعالم.
ثورة المحرك الجديد
اول عربة مرسيدس بمحرك ديزل سنة 1936
بدأ استخدام محرك ديزل في بداية انتاجه فقط في الآلات الكبيرة نظرًا للقوة التي يتمتع بها، ففي العام 1903 استخدم المحرك الجديد لتسيير إحدى السفن في بحر القزوين. ثم استخدمته "شركة مان" في العام 1905 في العاصمة الاوكرانية كييف في توليد الطاقة الكهربائية من مصدر حراري.
وسار اول قطار به في العام 1913 وبعد عشر سنوات دخل في صناعات السيارات الشاحنة، وتم استخدامه في سيارات الاشخاص الصغيرة بحلول العام 1936. ومنذ ذلك التاريخ انتشر اختراع ديزل ومحركه الجديد في كل أنحاء العالم وبدأ استخدامه في كل المجالات سواء في تسيير الآلات الكبيرة في المعامل أو توليد الطاقة أو تسيير القطارات والسيارات بمختلف أحجامها وأنواعها. وما زالت "شركة مان" تنتجه حتى الان في مصانع الشركة في اوجسبورج ولكن بحجم وشكل اصغر عن الحجم الاصلي المحفوظ في المتحف الالماني في ميونيخ ،كما تنتج الشركة منه محركات بقوة 10 الاف حصان وحني 100000 الف حصان للسفن العملاقة.
ان براعة هذا المحرك تكمن في ان تصميمه تم بطريقة هندسية بارعة تجعل صاحبه ذو نظرة بعيدة، فقد حاول في تصميمه ان يكون بعيدًا من الاضرار بالبيئة لذلك جعله صالحًا للعمل بوساطة مصادر الوقود المتجددة اي من الممكن تشغيل محرك الديزل باستخدام زيت الخضراوات كوقود غير ان السياسين واصحاب النفوذ في استخدام الطاقة البترولية رفضوا الفكرة بزعم ان ذلك قد يكون سببًا في نفاذ طعام الانسان لكن الاهمية التي يمكن ان يلعبها استخدام زيت النباتات في المستقبل تبقى دائمًا محل اهتمام العلماء.
نهاية مأسوية
على الرغم من نجاحاته واختراعاته إلا أن ديزل لم يكن دائمًا سعيدًا وموفقًا في حياته، فقد ولد لأبوين فقيرين وفي فترة شبابه كان يواجه المشاكل والصعوبات الدائمة. وبعد ان نال شهرة من اختراعه وتحسنت احواله حاول دخول عالم المال والبورصة، وأراد أن يصبح رجل أعمال وصاحب شركات، الا انه لم يوفق في ذلك ولم يلق النجاح الذي لاقاه في عالم الهندسة والميكانيك، مما ألحق به خسائر مالية فادحة وتراكمت عليه الديون وأصبح في أزمة سببت له الكثير من المشاكل والقلق.
هذا إضافة الى المرض والنزاعات القضائية، وانتهت حياته نهاية مأسوية في ليلة 29 ايلول -سبتمبر من سنة 1913 عندما كان مسافرًا بالسفينة SS Dresden من بلجيكا إلى بريطانيا للمشاركة في افتتاح مصنع" كاريلز" في ابسويتش لمحركات الديزل. لكنه لم يصل إلى هدفه ولم يشارك في حفل التدشين، حيث لم يعثر له على أثر في مقصورته صباح اليوم التالي ، وبعد يومين من بداية الرحلة عثر بحارة من خفر السواحل على جثته طافية فوق الماء. واخذوا اغراضه ومقتنياته ثم القوا بجثته مرة اخرى في الماء، وهو تصرف مألوف في ذلك الزمان. وتم تحديد هويته في وقت لاحق بعدما تعرف ابناؤه إلى مقتنياته.
وحامت شبهات كثيرة حول موته، اذ تواترت في ذلك الوقت أنباء عن اعتزامه عقد اجتماع مع ممثلين لشركة "روفر ROVER" . ولأنه كان عازمًا على ما يبدو في بيع ترخيص لشركات اخرى غير المانية لانتاج محركه الديزل، ويشمل ذلك فرنسا وبريطانيا وغيرهما من الشعوب التي كانت على طرف نقيض من المانيا، فقد اشيعت اقاويل عن مقتله على يد عملاء ألمان لمنعه من كشف تفاصيل اختراعه لأعداء ألمانيا.. كما ان الشبهات ايضًا لم تستبعد ان يكون قد اقدم على الانتحار بسبب افلاسه حسبما اتضح لاحقًا، اما عائلته فقد اعتقدت انه قذف في البحر بعدما تم الاستيلاء على براءة الاختراع.