يبدو الوضع العربي الرسمي في ذروة بؤسه، حيث تتلقي الانظمة العربية الصفعات المهينة من كل الاتجاهات، والمحير انها تدير الخد الايمن بعد الايسر، وتقول هل من مزيد.
اربع وقائع رئيسية تعكس درجة الهوان التي وصلت اليها المنطقة العربية تلخص افلاس النظام الرسمي العربي وتكلسه وخروجه بالكامل من دائرة الفعل الاقليمي او الدولي:
اولا: اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة يوم امس الاول قرارا بتخصيص يوم السابع والعشرين من كانون الثاني (يناير) من كل عام لتذكر المحرقة النازية ضد اليهود، وجري تبني القرار بالاجماع، ولم تعترض عليه دولة عربية واحدة.
الهولوكوست جريمة بشعة لا يمكن، بل ولا يجب انكارها، او التقليل من خطورتها، ولكن هذه الجريمة تحولت الي صناعة، وتخصيص يوم لضحاياها بقرار من الجمعية العامة للامم المتحدة يشكل اهانة وتمييزا ضد المحارق الاخري التي وقعت في اجزاء اخري من العالم.
افران المحرقة لم تنصب فقط لليهود في المانيا، وانما للغجر والشاذين جنسيا والمعوقين، والكاثوليك. فلماذا يتم تجاهل هؤلاء والتركيز فقط علي الضحايا اليهود؟ مضافا الي ذلك ان هناك اكثر من ثلاثين مليون شخص قتلوا في الحرب العالمية الثانية التي تسبب النازيون في اشعال وقودها.
نحن ضحايا النازية. بلد عربي مسلم اسمه فلسطين جري محوه بالكامل وتشريد شعبه لتوطين اليهود الفارين من الاضطهاد الاوروبي.
السؤال هو ليس حول مدي بشاعة المحرقة وانما هو حول احتكار الالم وتقسيم المحارق علي اساس عنصري، بعضها درجة اولي واخري درجة سياحية. هناك محارق وقعت في رواندا، واخري في ارمينيا وثالثة في اليابان، حيث جري حرق مئات الآلاف من الابرياء بالقنابل النووية.
ربما يجادل البعض بأن عدد اليهود ضحايا الهولوكوست زاد عن ستة ملايين شخص، وينسي هؤلاء ان ضحايا الثورة الثقافية في الصين زادوا عن سبعين مليونا. وضحايا مجازر بول بوت في كمبوديا يقترب عددهم من عدد ضحايا المحرقة النازية
.نحن لنا محارقنا ايضا، وعلي ايدي من نجوا من الهولوكوست واحفادهم. هناك مجزرة دير ياسين، وكفر قاسم، وقانا، وبحر البقر، وجنين ورفح.
كنا نتمنى لو ان دولة عربية واحدة قالت لا لهذا القرار كظاهرة احتجاج علي احتكار المعاناة، وللمطالبة بتذكر ضحايا آخرين، وخاصة ضحايا الهولوكوست الامريكي الراهن في العراق، حيث استشهد اكثر من مئة الف شخص حسب اكثر التقديرات تواضعا.
الجمعية العامة للامم المتحدة كانت دائما مرتعا للنفوذ العربي، وشكلت المنبر الموازي للسيطرة الامريكية علي مجلس الامن. ولكن في ظل وجود انظمة عربية هزيلة فاسدة خسرنا هذا المنبر ولصالح اسرائيل.
ثانيا: وزير خارجية الجزائر، الذي يمثل بلدا قدم مليون شهيد سقطوا في مسيرة نضالية اعجازية في مواجهة الاستكبار الاستعماري، فاجأ الجميع عندما صوت تأييدا لقرار مجلس الامن الدولي رقم 1636، وهو يعرف انه سيكون مقدمة لفرض عقوبات اقتصادية وربما توجيه ضربة عسكرية لسورية.
صحيح ان المندوب السوري صوت قبل ثلاث سنوات، وفي مجلس الامن، تأييدا لقرار باستخدام القوة ضد العراق، ولكن هذا لا يبرر الموقف الجزائري، ومن المفترض ان تكون حكومة الجزائر قد تعلمت من خطيئة التصويت السوري، ومبدأ التدرج الذي تتبعه واشنطن لتفكيك الدول العربية وتمزيقها.
الانظمة العربية باتت حريصة بشكل مبالغ فيه علي تطبيق الشرعية الدولية وقراراتها، شريطـــة ان تكون هذه القـــرارات ضد العرب فقط، اما القرارات الصادرة ضد اسرائيل فيجب ان تظل علي حالها دون تطبيق.
ما نخشاه ان يتحول التصويت العربي الاجماعي لصالح تأييد تخصيص يوم لتذكر ضحايا المحرقة الي سابقة، او نقطة تحول رئيسية في الموقف العربي، بحيث نشاهد ايدي المندوبين العرب تصوت لصالح قرارات تؤيد العدوان الاسرائيلي علي الشعب الفلسطيني او شعوب عربية اخري. ولا نعتقد ان هذا اليوم بات بعيدا.
ثالثا: تستخدم الحكومة الاسرائيلية طائرات حربية من طراز اف 16 و اف 15 ومروحيات من كل الانواع والاشكال تقصف مدنا وقري ومخيمات فلسطينية فقيرة معدمة متهالكة، وتقتل ما شاءت من الابرياء، ولا يتحرك احد علي الاطلاق، ولم نسمــع دعــوة لعــقد اجتــماع ولو علي مستوي المـــندوبين لمجلس الجامعة العربية، والاكثر من ذلك، ان رئيس اكبر دولة عربية وجه دعوة لشاؤول موفاز وزير الدفاع الاســرائيلي لزيــارة القاهـــرة في الوقـــت الذي تقصـــف طائراته قطاع غزة. وسبب الدعوة استئذانه لفتح معبر رفح بين مصر وفلسطين.
مصر الدولة العربية الاعظم، صاحبة التاريخ الاعرق، لا تجرؤ علي فتح معبر بينها وبين فلسطينيين كانوا يوما، وحتي الاحتلال الاسرائيلي، خاضعين لادارتها، الا بعد الحصول علي الموافقة الاسرائيلية، اي حكومة هذه التي تقبل علي نفسها مثل هذا الوضع المهين والمذل؟
رابعا: هناك بلد عربي يتعرض لطمس هويته، وتمزيق وحدته الترابية، ويقتل يوميا العشرات من ابنائه، والعرب يتفرجون، لم نسمع حكومة عربية واحدة تسمي الاشياء باسمائها في العراق، وتقول ان القوات الامريكية قوات محتلة.
لم نسمع رئيسا عربيا واحدا يطالب بانسحاب القوات الامريكية المحتلة، ناهيك عن دعم المقاومة العراقية المشروعة ضد الاحتلال، والاخطر من كل هذا وذاك، ان التحريض من قبل بعض الانظمة العربية ليس ضد الاحتلال الذي جعل من العراق ساحة من الفوضي الدموية، وانما ضد ايران. وشاهدنا امين عام جامعة الدول العربية يطوف بالمدن والقري العراقية داعما للعملية السياسية المنبثقة عن احتلال غير اخلاقي وغير قانوني.
لا نضيف جديدا بضرب مثل هذه الامثلة المثيرة للاكتئاب والاحباط، وانما نسجلها للتذكير فقط، ونعرف مسبقا، في الوقت نفسه انه لن يكون لها اي تأثير، لان النظام الرسمي العربي تجاوز مرحلة الاحساس بالمهانة والاذلال، لانه ببساطة شديدة تأقلم معها، وباتت هي القاعدة، والكرامة هي الاستثناء.
لاتستطيع وضع مواضيع جديدة في هذا المنتدى لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى لا تستطيع تعديل مواضيعك في هذا المنتدى لاتستطيع الغاء مواضيعك في هذا المنتدى لاتستطيع التصويت في هذا المنتدى تستطيع ارفاق ملف في هذا المنتدى تستطيع تنزيل ملفات في هذا المنتدى