أبهذه السرعة انقضت أيام الإجازة ؟ .. لم اشبع من لقاء أهلي بعد..و من الجلوس مع والدي وأخواي .. أخواي أحمد ومحمد ..فأنا أصغر هم ..وشمعة البيت في رأي الوالدة
ولم امل من الاستمتاع بصحبة صديقات الطفولة والصبا .
انتهت ولم اشعر بها إلاوهي تنساب كالرمال من بين أصابعي . فالأيام الجميلة هكذا تمضي سريعاً كالبرق .وها أنذا سوف أعيش أيام الغربة من جديد .
كان اللقاء حاراً مع زميلات السكن .. وبخاصة شريكة غرفتي " وسن " وهي سورية تدرس التجارة بجامعة القاهرة .. كانو من بدو سوريا لكنهم استقروا هنا في مصر في احدى المحافظات القريبة من العريش .. وهي مخطوبة لابن عمها وموعودة للزواج به .. وقد سكنت معنا في سكن البحرينيات لأن خطيبها يعمل في السفارة البحرينية فوجد لها مكاناً قريباً من الجامعة .
ان جل اهتمامي الآن هو التفوق ، فانا الآن في سنتي النهائية وقد كانت نتائجي ممتازة في سنتي السابقة وهذا ما وضعته نصب عيني لهذه السنة ....
انتظمنا في الدراسة بعد يومين من وصولي . وقد تعرفنا على الدكاترة الذين سوف يدرسونا خلال هذا الفصل الدراسي وسعدت كثيراً للمصادفة الجميلة التي جعلت من الدكتور حمزة أحد الذين سيقومون بتدريسنا مادة التخصص " الوراثة " .
كتت قد تساءلت ان كانت سكرتيرة الدكتور حمزة اوصلت له رسالة الاعتذار .. لكن لا اعتقد ان ذلك كان من المواضيع التي شغلت بالي خلال الاجازة.
خلال الأيام التي سبقت محاضرة الدكتور حمزة كان جميع الطلبة في الشعبة متفائلين لأنهم سمعوا بأنه من اكفأ المدرسين وأكثرهم نزاهة وذمة وحسن تعامل مع الطلبة بدون تحيز ولا تحبب لأحد فالجميع عنه سواء.
لكني تفاجأت من تصرفه معي ، فالدكتور لا يدرسنا في المحاضرات العامة حيث يزيد عدد الطلبة عن الخمسمائة طالب في القاعة ، بل يدرسنا في الشعبة التي تضم حوالي الأربعين طالباً ويقوم بتعليمنا في المختبر فمنذ المحاضرة الأولى ومذ قرأ اسمي في لائحة الأسماء رأيت معالم وجهه قد تبدلت فبعد ان كان مرحاً مع الطلبة وهو يرحب بهم الا انه تبدل في طرفة عين ..
ففي احدى الحصص العملية في المختبر ، كنت ومجموعة من الطلبة نتضاحك ونمزح قبل البدء في التجربة المخصصة لنا ، تفاجأنا باقترابه منا وهو يصيح فينا كأننا أطفال:
كفاكم لعباً واعملوا..
كانت نظراته الحادة مسددة الي لكني رغم ذلك لم اعزو السبب لي ، وحيث ان الموضوع تكرر اكثر من مرة تأكدت باني المقصودة .اذ بعد قليل من اندماجنا في العمل لم استطع التفريق بين ذكر ذبابة الفاكهة من الأنثى فكلاهما صغير الحجم ، طلبت من احد الزملاء طريقة التعرف على جنس الذبابة ووبينما هو يشرح لي بهدوء وانا منصتة اذا بالدكتور ياتي من خلفنا وقد تفاجات من صياحه :
الم اقل لك انت بالذات ان تعملي بهدوء وتكفي عن سرد الحكايات ؟؟؟؟؟؟؟
فاجاتني النبرة الغاضبة والنظرات المليئة بالحقد فلم استطع الرد ، تدخل زميلي يقول :
-دكتور كانت لا تستطيع التفريق يا دكتور .........
-بدون نقاش اذا ارادت ان تسأل فانا المسؤول هنا ..
وتوجه بكلامه الي :
ا-ذا لم تعجبك الحصة بامكانك الانصراف ...
قلت بنبرات غاضبة وصوت متحشرج :
-لكني لم افعل شيئاً يا دكتور ..
قلت بدون نقاش .. تابعي العمل بصمت او انصرفي
كنت اشعر بالغضب الشديد وفي نفس الوقت بالغبن لكني سكت وتابعت العمل .. قلت في نفسي ربما لم ينس ما فعلته السنة الماضية ولازال حاقداً علي من يومها .. لكني كتبت رسالة اعتذار .. الم يستلمها ؟
تكرر ذلك في الدرس التالي فأبعدني من حيث اجلس دائماً ، ووضعني في مكان وحدي حيث لا استطيع التلفت الى اي من زملائي او زميلاتي..لكني صبرت وسكت وكنت متأكدة بأني مع طباعي النارية لن استطيع الصمود اكثر ان تكرر ذلك . وكنت اتعجب من شهرته كونه محبوب الجنس اللطيف واعجاب الطالبات به وجعله في منزلة امير الأحلام لدى البعض منهن .
وهذا ما حدث فعلاً..
ففي احدى المرات التي كنت مع احدى الزميلات وكانت تشكو من نوبة مرضية خلال المحاضرات ، لكن ما ان توجهنا في طريقنا للمختبر لحضور حصته حتى كان الألم قد اخذ منها كل مأخذ فطلبت مني توصيلها للمستوصف الموجود في الجامعة للحالات الطارئة .
كنت قد وصلت متأخرة بالطبع ، طرقت الباب مستاذنة في الدخول .. فرد علي بحدة
الم اقل مراراً وتكراراً بالا يدخل احداً بعدي ..
كنت قد شهدت العديد من المواقف التي سمح فيها لبعض الطلبة بالدخول لمحاضرته .. بعد ان يسمع اعذارهم .قلت :
-لكن كانت هناك ظروفاً خارجة عن ارادتي.
-انا لا تهمني ظروفك يا آنسة .. المهم الالتزام بالوقت .. الى متى نلقي هذه المحاضرات ؟ متى ستفهمون ؟ فانتم كبارا بما يكفي لتعرفوا ذلك بانفسكم
كنت على وشك الرد من شدة غضبي .. ودموعي على وشك السقوط .. لكني قلت :
-اعتذر للتأخير واعدك بألا أكرر ذلك مستقبلاً. اعتذرت لأني لم ارد اطالة الحديث والجدال معه .
سمح لي بالدخول ، لكني ايقنت فعلاً بانه يتعمد احراجي امام الطلبة .. لكني لن اعطه الفرصة مرة اخرى وساتحمل ما يجري لأني اريد التخرج فلقد تعبت من الغربة .. حرصت في الاسابيع التالية بالا ادع ولو هفوة صغيرة ياخذها علي ليحرجني ، كنت انعزل من تلقاء نفسي عن الزملاء والزميلات وأكثرمن اصمت كأني خرساء لا استطيع الكلام حتى تنتهي حصته فأعود لطبيعتي .. وكنت اشعر به يتفرسني ويراقب حركاتي وتصرفاتي ليتصيد اقل غلطة لكني فعلاً لم اعطه ادنى فرصة لذلك .
كانت صديقتي وسن السورية هي التي تعلم بما يحدث لي مع الدكتور حمزة.. ونظراً لطبيعتها الرومانسية فقد اصرت على رؤية الدكتور لتفسر لي سبب تصرفه معي (أنت اللطيفة ، الجميلة ) على حد قولها لابد ان هناك سبباً..
فرافقتني في احد الايام للكلية مصممة على رؤية الدكتور ولم يكن من السهولة بمكان رؤيته ، فهل اذهب لاراقبه واعرف تحركاته لتراه هذه الماكرة الصغيرة وسن . لكن يبدو ان الامور تسير وفق ما تشتهي فهاهو يبدو قادماً من مبنى الأحياء متوجهاً للمختبرات فاشرت لوسن بان ذلك هو ..
صعقت وفغرت فاها كانها النسوة اللاتي رأين يوسف عليه السلام وقطعن ايديهن ..
انتبهت لي وانا الكزها :
-ما بك .. تبدين كالبلهاء ؟
صرخت في : لماذا لم تذكري لي بأنه شاب .. والاكثر من ذلك الشاب الاكثر وسامة في الكلية ؟؟؟؟
اندهشت من كلامها : وماذا في ذلك ؟ ما علاقة ذلك بي وبمشكلتي معه؟؟
-يا لهذا البرود .. وقلدت صوتي ( ماذا في ذلك ؟) لا بد ان جميع الطالبات معجبات به ؟؟ حدثيني بكل ما تعرفينه عنه؟كم عمره؟ أين يسكن ؟ ما نوع سيارته؟ ماذا يحب ؟؟
اندهشت اكثر وقلت : ما تلك الأسئلة الغريبة ؟لا اعرف الكثير .. لا ادري كم عمره ؟- كل الذي اعرفه انه حصل على الدكتوراة للتو وينتظره مستقبل مرموق ..
ردت علي باستخفاف :
-فقط هذا الذي تعرفينه .. بالتاكيد زميلاتك يعرفن اكثر الا تساليهن ؟
-ولماذا اسألهن؟ مذا يهمني منه او من غيره ؟
صرخت في بحدة : اوووووه . لا ادري كيف تستطيعين العيش هكذا .. بلا مشاعر، بلا احاسيس بلا حب ..الآن فقط عرفت لم يعاملك هكذا؟ لا بد من انه يشعر بالغيظ منك ؟
-هل تتوقعين ذلك ؟ أنا أيضاً قلت في نفسي ربما لم يسامحني بعد على ما جرى في السنة الماضية . هل تنصحيني بالذهاب اليه لتوضيح موقفي ؟
-سوف تقتليني ببلاهتك يا سارة .. انا في ماذا وانت في ماذا..
-ماذا ما الذي قلته؟
-هو مغتاظ منك ليس لما تفكرين فيه ؟
-اذن لم؟؟؟؟؟؟
نظرت الي كمن ينظر الى أغبى مخلوق على الأرض وقالت :
-يا عبقرية انت تغيظينه !!!!!
- لا لم أغظه ؟؟
- بل تفعلين ..لأنني أتوقع بل أجزم بأنك الفتاة الوحيدة في هذه الكلية التي لم تتأثر به ولم تنجذب لوسامته..وهذا من حقه .. وكيف لا يغتاظ وهو يناكف لوحاً امامه .. هل ابتسمت مرة له ؟.. هل تدللت يوماً حين تأخرت ؟
استغربت كلامها:
-ماهذا التخريف ؟ غير معقول .
-بل معقول المعقول .. ما تقومين به هو الغير معقول ..والا قولي لي الم تؤثر فيك هاتين العينين ..أو لم تصرعي من تلك الابتسامة ؟ أوذاك الطول ..أوهاتين الكتفين او.. او.. ماذا أصف وماذا أدع ..إنه يمشي ويقول يا ارض انهدي ما عليك قدي..وانت خبر خير
وسكتت لبرهة تفكر .. ثم اقترحت:
-عندي فكرة .. لم لا تذهبين اليه وتسألينه عن سبب معاملته الجافة لك ومنها تتقربين منه؟
-ما هذا الذي تقواينه وسن ؟ انا لست هكذا ابداً ولن اكون. صمت ثم تابعت .. يكفي ما قلته وساتجاهل هذا الحديث وكانه لم يكن .
لكن هذا الحديث الذي كان مع وسن وصبح يؤرقني فعلاً .. هل انا غير طبيعية فعلاً كما تقول وسن ؟هل ما تقوله صحيح ؟ بانه مغتاظ مني لأني لم انجذب اليه كباقي الفتيات ؟؟لا اتصوره بهذه التفاهة ..صحيح ان الدكتورحمزة وسيم بل وسيم جداً لكن لم يدر بخلدي يوماً موضوع الحب والانجذاب .. فكل ماافكر فيه حالياً هو الدراسة والدراسة فقط .
لكن هناك امر معقول ذكرته وسن ويجب علي القيام به ..وهو التوجه اليه لسؤاله عن سبب معاملته لي بتلك الصورة المهينة ..فانا اخاف ان تنفلت اعصابي الحارةو لساني الذي ما انفك يريد الرد وانا امنعه ..انها فكرة معقولة . والصباح رباح.......
بعد انتهاء الدرس سوف اساله عن السبب .. كنت اضمر ذلك في نفسي .. لكن كانت كلمات وسن ما زالت ترن في اذني ..
تذكرت عينيه القاتمتين فقد كانت قريبتين مني حين كنا في ذلك الزقاق ، تذكرت عضلات كتفيه اللذين امسكت بهما لأرى من خلفه ذلك الكلب الشارد .. تذكرت تلكما الذراعين ....
لكن ما بال هذه تلكزني بالقوة .. استدرت فرايت زمياتي تشير لي ان انظر امامي للدكتور , قالت زميلتي بهمس : اجيبي سؤال الدكتور؟
اندهشت ..وهل كان طوال الوقت يتكلم لي..
وجدته ينظر لي بغضب وهو يقول : اجيبي عن السؤال!
ما احسست إلا بالاحمرار في خدي والسخونة في كل انحاء جسمي ..
-عفواً دكتور .. اي سؤال ؟
-طبعاً .. كيف ستجيبين ؟ لا اعلم اين كنت بتفكيرك التافه تسرحين .. لا بد أن مكيدة جديدة تختمر برأسك الفارغ هذا .. صحيح ان كيدكن عظيم ..
-لم اترك له مجالاً ليكمل إهاناته.. فقد استشطت غضباً .. فقد أجج كلامه النيران التي ما زلت اطفئها منذ بداية العام ..هل هذا التي تصفه وسن باللطف والوسامة ؟..انا لا ارى امامي الا الخسة والضعة ..وها هي القشة التي قصمت ظهر البعير:
-كيف تجرؤ على قول ذلك .. لم تنعتني بكل تلك الصفات ؟هل تعتبر نفسك دكتوراً ؟؟ انت .. انت ولم استطع اكمال كلامي امام الطلبة الذين وقفوا يتفرجون على ما حدث .
اخذت كتبي منصرفة ودموعي تنحدر على خدي .. وقبل ان اترك غرفة المختبر قلت له ..
-لأنني احترم نفسي لااستطيع التلفظ بأي كلمة خاطئةنحوك ... كانت الدموع قد انهمرت غصباً عني فمسحتها بظاهر يدي بسرعة حتى لا يراني احداً فيشفق علي ..آآآآآآآآآآآه كم اتعبتني الغربة ..اريد كتفاً ابكي عليه .. اريد صدراً يحتويني بعد عنائي .
والبقية تأتي
نأسف لكم لتأخرنا وسوف نقدم لكم الجزء الثالث من القصة قريبا
لاتستطيع وضع مواضيع جديدة في هذا المنتدى لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى لا تستطيع تعديل مواضيعك في هذا المنتدى لاتستطيع الغاء مواضيعك في هذا المنتدى لاتستطيع التصويت في هذا المنتدى تستطيع ارفاق ملف في هذا المنتدى تستطيع تنزيل ملفات في هذا المنتدى