الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أما بعد :
السلوك العدواني لدى الشباب ودور الأسلوب النفس تربوي في علاجه
أ.م.د.فاضل عبد الزهرة مزعل
العدوان: هو سلوك ينتج عنه إيذاء شخص أو إتلاف لشيء أو هو سلوك يهدف إلى أحداث نتائج تخريبية أو مكروهة، أو للسيطرة من خلال القوة الجسدية أو اللفظية على الآخرين.
يعتبر السلوك العدواني واحد من الخصائص التي يتصف بها الكثير من الأفراد المضطربين سلوكيا، ومع أن العدوانية تعتبر سلوكا مألوفا في كل المجتمعات تقريبا ألا أن هناك درجات من العدوان بعضها مقبول ومرغوب كالدفاع عن النفس والدفاع عن حقوق الآخرين وغير ذلك، وبعضها غير مقبول ويعتبر سلوكا هداما ومزعجا في كثير من الأحيان، ففي المدارس مثلا نجد أن العدوانية غير المرغوبة تظهر على أشكال مختلفة منها الإساءة اللفظية والجسدية للآخرين، وتخريب ممتلكات المدرسة وعدم إطاعة القواعد والتعليمات حيث يواجه المدرس صعوبة في إدارة الفصل وتوجيهه.
لقد أشار كل من ميلز وديفنز 1982م إلى أن هناك خمسة محكمات أساسية نستطيع من خلالها تعريف العدوانية وتحديدها وهي:
- نمط السلوك.
- شدة السلوك.
- درجة الألم أو التلف الحاصل.
- خصائص المعتدي.
- نوايا المعتدي.
لقد كان شائعا في الثلاثينيات والأربعينيات من هذا القرن إن الإحباط يقف وراء جميع الأشكال العدوانية إلا انه تم التشكيك في هذا الرأي بأن أجريت الدراسات الحديثة في مجال التحليل النفسي التي أظهرت أن العدوانية ناتجة عن دوافع داخلية لا شعورية، كما اظهرت الدراسات التي أجراها باندورا 1973م bandora وباترسون وآخرون 1975 أن العدوانية تعتبر سلوكا متعلما فالأفراد يتعلمون الكثير من السلوكات العدوانية عن طريق ملاحظتهم لإبائهم وإخوانهم ورفاقهم في اللعب والممثلين في التلفزيون والسينما فهم يقلدون الأفراد الذين يسلكون سلوكا عدوانيا خاصة إذا كان هؤلاء الأفراد ذوي مركز اجتماعي مرموق، أو إذا كان هذا السلوك العدواني يظهرهم بمظهر الأبطال، ومن المرجح أن يتحول الأطفال إلى ممارسة السلوك العدواني إذا اتيحت لهم الفرصة لذلك دون أن يتعرضوا لنتائج غير سارة وإذا حصلوا على مكافأة أو نتائج سارة.
استجابة لنظرية التحليل النفسي في الأسباب العدوانية فقد نادى البعض بأن من الأفضل السماح للإفراد بتفريغ (our acting) عداواتهم بحرية في مراحلها الأولية قبل أن تكبت وتظهر على شكل سلوك عدواني مدمر في المستقبل، ولكن جاءت البحوث والدراسات بعدم صحة هذا الرأي فمن الأفضل أن نقدم للفرد نماذج من السلوك غير العدواني بالعقاب أو بالحرمان من الحصول على نتائج أو معززات ايجابية لهذا السلوك، أو استخدام أسلوب العزل أو التأنيب وغيرها من الأساليب.
لقد كان الاعتقاد السائد قديما انه على الرغم من أن الأفراد العدوانيين يسببون الكثير من المشاكل إلا أنهم أفضل حالا من الأفراد الذي يتصفون بالانطواء، أو بالأنماط العصابية وذلك من حيث التفاعل الاجتماعي، والعمل المدرسي، إلا أن الدراسات التي أجراها روبنز 1979م جاءت لتدحض هذا الاعتقاد وتؤكد على إن العدوان يصاحبه فشل اجتماعي، أما بالنسبة للإفراد الانطوائيين أو العصابيين فبإمكان نسبة كبيرة منهم أن تحصل على عمل في المجتمع، وان تتغلب على مشاكلها السلوكية، وان يصبحوا بمنأى عن السجون والمصحات النفسية بدرجة اكبر من الأفراد العدوانيين.
الأسلوب النفس تربوي
لقد جاء هذا الأسلوب الذي يجمع بين الجوانب النفسية والجوانب التربوية كخطوة من التحليليين للتغلب على السلبية التي رافقت النظرية التحليلية إذ أنها تهمل الجوانب التربوية وتنظر إلى المدرسة نظرة ازدراء ولقد استندوا إلى فرضية مفادها أن مشاكل الفرد تنتج عن تداخل ما بين الطاقات البيولوجية الفطرية، والخبرات الاجتماعية المبكرة وعليه فقد وضعوا هذا الأسلوب لإيجاد التوازن بين أهداف العلاج النفسي والأهداف الأكاديمية والسلوكية.
وتعتبر هذه الاستراتيجية أو الأسلوب مزيجا من أساليب التحليل النفسي وأساليب تعديل السلوك، بمعنى أنها تهتم بما يفعله الفرد في المدرسة من سلوكات وفي نفس الوقت لا تهمل البحث في الأسباب التي أدت بالفرد لسلوك تلك السلوكات، عدا إنها كأسلوب تهتم بالصعوبات التعليمية الناتجة عن الاضطرابات السلوكية، وتدرس تأثير جماعة الأقران والظروف البيئية المحيطة بالطفل ولا تهمل دور المعلم في العلاج.
وعلى المعالج في هذا الأسلوب أن يراعي مجموعة من العوامل المحيطة عند البدء بوضع خطة العلاج وهذه العوامل هي:
1- طبيعة المطالب البيئية والضغوط التي تفرضها على الفرد.
2- قدرة الفرد على مواجهة تلك المطالب.
3- علاقة الفرد بجماعة الرفاق.
4- علاقة الفرد بالمدرس.
5- دافعية الفرد لتحقيق السلوك السوي.
6- مفهوم الفرد عن ذاته.
عناصر هذه الاستراتيجية
ويلخص (عبد الرحيم 1982م) أهم عناصر هذه الاستراتيجية في النقاط الآتية:
1- توجد هذه الاستراتيجية مداخل، متعددة لتعامل الفرد، مدخل السلوك العقلي ومدخل أسباب السلوك، ومدخل الصعوبات التعليمية التي يواجهها الطفل.
2- إن الفرد يملك طاقات فطرية عندما تتفاعل مع الخبرة فإنها تحدد قدرة الفرد على مسايرة المواقف.
3- إذا لم يكن الفرد مزودا بمهارات النجاح في العمل المدرسي فانه يواجه الفشل الذي يترتب عليه الإحباط والشعور بالقلق مما يؤدي إلى سلوك سوء التوافق.
4- إذا تمت مواجهة سوء التوافق عند الفرد بالعنف من جانب المعلم أو الرفاق، فان ذلك من شأنه أن يخلق قدرا اكبر من الإحباط للفرد مما يضعه في حلقة مفرغة.
5- كسر تلك الحلقة هو الهدف الأساس لهذا المدخل.
6- الهدف هو تقليل السلوك سيء التوافق وتعليم الفرد مسايرة الحاجات والضغوط.
7- يوضح التركيز على أهمية العلاقة بين المعلم والتلميذ على أساس من وضع تعليمي يتكون من الهيئة التدريسية، وعلى دافعية الفرد لتعلم الأشكال المختلفة من السلوك (ص188).
اقتراحات لونج وآخرون
وقد وضع (لونج وآخرون، 1971م) بعض الاقتراحات التي يمكن الاسترشاد بها عند استخدام هذا الأسلوب وهي:
1- يجب تطوير البيئة التربوية بشكل يسمح بمراقبة المؤثرات النفسية التي يمكن أن تؤثر على الطالب وذلك كمراقبة التفاعل بين الطالب (وكل من المدرس والعاملين والأقران والمنهج) وكذلك مراقبة كل من التنظيم الاجتماعي للصف، والقيم التي يتبناها المدرس، للطالب كما يجب على المدرس أن يكون على وعي بهذه المؤثرات وان يعمل على تعديل بيئة الصف لكي يسهل على الطالب التكيف النفسي والشخصي.
2- التركيز على علاقة المدرس بالطالب وعلى خصائص المدرس مثل العطف والإحساس والتسامح، وغيرها من الخصائص التي تعتبر هامة ومطلوبة للتعامل مع الطلاب المضطربين سلوكيا، فالطالب المضطرب سلوكيا يجب أن يشعر أن المدرس مهتم بتكيفه الشخصي.
3- يجب أن يمتزج التعلم بالمشاعر الايجابية إذ أن التركيز على التعليم فقط بما فيه من عمليات حسابية، وحقائق وقراءة كتب مقررة قد يؤدي بالتلميذ إلى الإحباط والغضب، لهذا يجب التركيز على الأنشطة المرتبطة باهتمامات الطالب بالإضافة إلى التعليم.
4- مساعدة الطالب على التعامل مع الضغوط والصراعات النفسية الناتجة عن الخبرات السلبية التي تعرض لها وذلك من خلال التركيز على جوانب محددة من الصراعات والأزمات التي يعاني منها الطالب ومساعدته على تبصر المشكلة وتطوير بدائل ايجابية للتعامل مع المواقف التي تسبب هذه الصراعات والأزمات.
5- على المدرس أن يكون له استعداد للتعاون مع العاملين في المدرسة، والمجتمع لمساعدة التلميذ المضطرب سلوكيا، فتربية التلاميذ المضطربين سلوكيا يجب أن لا تكون مسؤولية المدرس بمفرده بل على المدرس أن يكون قادرا على تنظيم دعوة الأفراد ذوي التخصصات المختلفة (الطبيب، الأخصائي النفسي، الأخصائي الاجتماعي، معالج النطق، أولياء الأمور) وغيرهم من اجل بناء وتطوير برنامج علاجي للطالب ذو السلوك العدواني.