- الشعب :
عندما يكون الشعب مصدر السلطات بما في ذلك السلطة التشريعية، ويكون له الأمر والاختيار فيمن يحكم البلاد، والقانون الذي يطبق في الأرض، حتى ولو وقع اختياره على قانون الجاهلية فيطبق نزولا عند رغبة وإرادة الشعب !!
فالشعب في هذه الصورة طاغوت ومعبود من دون الله، وذلك من أوجه :
منها، رد السلطة التشريعية إليه، وجعله ندا لله تعالى في خاصية الحكم والتشريع، وقد تقدمت الأدلة على هذا النوع من الإشراك.
يقول سيد قطب رحمه الله : والأمة في النظام الإسلامي هي التي تختار الحاكم فتعطيه شرعية مزاولة الحكم بشريعة الله، ولكنها ليست هي مصدر الحاكمية التي تعطي القانون شرعيته، إنما مصدر الحاكمية هو الله. وكثيرون حتى من الباحثين المسلمين يخلطون بين مزاولة السلطة وبين مصدر السلطة، فالناس بجملته لا يملكون حق الحاكمية إنما يملكه الله وحده، والناس إنما يزاولون تطبيق ما شرعه الله بسلطانه، أما ما لم يشرعه الله فلا سلطان له ولا شرعية، وما أنزل الله به من سلطان في ظلال القرآن : 4/1990..
و منها، طاعته لذاته في معصية الله، والنزول عند رغبته فيما يشير ويحكم، وإن أشار وأمر بالكفر البواح..!!
و منها، تقديم إرادة الشعب على إرادة الله تعالى، والنظر إلى الشعب على أنه سلطة عليا ترد إليه المنازعات عند الاختلاف[1] وهذا ملاحظ عند حصول خلاف بين الحاكم ومعارضيه، فإنه سرعان ما يهدد كل منهما الطرف الآخر بالرجوع إلى الشعب والتحاكم إليه..!!
و هذا معارض - كما هو معلوم - لقوله تعالى : )فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللهوالرسول إن كنتم تومنون باللهواليوم الآخر(. سورة النساء 59.
قال ابن القيم في تفسير هذه الآية، في كتابه أعلام الموقعين (1/49) :
نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله، جليّه وخفيّه، ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه ولم يكن كافيا لم يأمر بالرد إليه، إذا من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع.
و منها أن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول e ، هو الرد إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته.
و منها أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه، فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان، ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، ولا سيما أن التلازم بين هذين الطرفين، وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر.
ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه أهـ.
، يجب التسليم لحكمه من غير تعقيب أو تقديم، وهذه هي الإلهية والربوبية التي لا تجوز إلا لله رب العالمين.
اعلم أن حكم الشعب ليس حكم الله وإن حكم بشريعة الإسلام وأصاب الحق، وذلك من وجهين:
أولهما : أن تطبيق شريعة الإسلام هو في الحقيقة نزول عند رغبة الشعب وإرادته، وليس انصياعا لأمر الله وإرادته، بدليل أن الشعب لو اختار فيما بعد الحكم بشريعة غير شريعة الإسلام، فإنها تُطبق وتحل محل شريعة الإسلام من غير إنكار أو اعتراض من أحد، لأن الجميع قد تعارفوا فيما بينهم على أن الحكم للشعب، وأن مرد الأمر له، فله أن يحكم ما يشاء بما يشاء…!!
أما الوجه الثاني فقد تقدم أن قضية الحكم والتحاكم هي من الله إلهية وربوبية، ومن العباد عبودية وطاعة وتوحيد، فالغاية العظمى من قضية التحاكم إلى شرع الله هي تحقيق عبودية العباد لله تعالى في هذا الجانب، وهذا لا يتحقق جراء الحكم بما أنزل الله طاعة للشعب ونزولا عند إرادته ورغبته، بل يتحقق العكس وهو عبادة الشعب من دون الله، لأن التحاكم في حقيقته يكون إلى الشعب وليس إلى الله كما تقدم.
يقول سيد قطب رحمه الله : فالناس ليسوا هم الحكم في الحق والباطل، وليس الذي يقرره الناس هو الحق، وليس الذي يقرره الناس هو الدين.. إن نظرة الإسلام تقوم ابتداء على أساس أن فعل الناس لشيء وقولهم لشيء، وإقامة حياتهم على شيء لا تحيل هذا الشيء حقا إذا كان مخالفا للكتاب، ولا تجعله أصلا من أصول الدين، ولا تجعله التفسير الواقعي لهذا الدين، ولا تبرره لأن أجيالا متعاقبة قامت عليه…
و لا يكفي إذن أن يتخذ البشر لأنفسهم شرائع تشابه شريعة الله أو حتى شريعة الله نفسها بنصها إذا هم نسبوها لأنفسهم ووضعوا عليها شاراتهم ولم يردوها لله، ولم يطبقوها باسم الله إذعانا لسلطانه واعترافا بألوهيته وبتفرده بهذه الألوهية، التفرد الذي يحرر العباد من حق السلطان والحاكمية إلا تطبيقا لشريعة الله وتقريرا لسلطانه في الأرض -طريق الدعوة في ظلال القرآن : 2/32 و189..