المتابع اليومي لوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية: يلاحظ بشكل يدعو للاستغراب والدهشة هذا الكم الضخم من
عشرات المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية التي تعقد كل يوم في أرجاء العالم الإسلامي! حتى أصبح القيام بهذه
الفاعليات من الديكور اللازم للهيئات والمؤسسات، صغيرة كانت أم كبيرة، والدهشة ليست ناتجة عن حالة الهوس بعقد
المؤتمرات والندوات؛ لكنها تنبع في الأساس من انعدام مردود هذه الفاعليات والأنشطة في واقع حياتنا، على الرغم من تكلفتها المادية واستهلاكها للوقت والجهد.
نحن لسنا ضد القيام بمؤتمرات وندوات يتم فيها الحديث عن
مشاكلنا وأزماتنا ومعاناة مجتمعاتنا، نشخص من خلالها الداء ونبحث عن العلاجات، لكن ما نرفضه أن تكون هذه الفاعليات
شكلية؛ لتجميل شكل المؤسسات والهيئات، ثم بعد ذلك تذهب التوصيات التي تنتج عن هذه الأنشطة إلى الأدراج دون أن يلتفت إليها أحد.
إننا إذا تأملنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لنعجب؛ كيف استطاع رجل واحد أن يتحدى الدنيا كلها، ولا يملك في مواجهتها إلا إيمانه بربه وعقيدته! وعلى الرغم من ذلك تمكن
خلال مدة قليلة من السنين أن يحول مجرى التيار، ويغير لون الزمان بقوة تبليغه وجهاده، هذا هو ما تحتاجه مجتمعاتنا على
الحقيقة، أفراد يحملون هم أمتهم، ويتحركون بعقيدتهم؛ لإصلاح ما فسد عبر الزمان. وحينها إذا عقدت المؤتمرات ستجد من يجعلها واقعا معاشا.
يقول الكاتب والمفكر الإسلامي الكبير شكيب أرسلان خلال
رسالة أنشأها سنة1931 يخاطب أحد أبناء فلسطين:"تأتيني كتب كثيرة من المغرب، وجاوا ومصر وسورية والعراق ونفس
فلسطين بلدكم، يقترح أصحابها عقد مؤتمر إسلامي أو ما أشبه ذلك! ويكون جوابي دائما: يجب أن نؤسس من تحت، يجب أن
نربي الفرد... أما أن نعقد مؤتمرا مجموعا من ضعفاء ليس لهم إرادة مستقلة، وهم لا يقدرون أن ينفذوا قرارا! فما فائدة ذلك؟ أتريد أن تجمع أصفارا؟".
هذه الكلمات تكشف عن قمة الوعي، فما القيمة من عقد مؤتمر، أو ندوة، أو خطب رنانة أو احتفالات مهيبة، ولا يتغير من
عالمنا شيء، إننا مازلنا نسمع نشيج الجمعيات وقرارات
المؤتمرات وخطب المنابر منذ سقوط الخلافة الإسلامية عام 1928م ، وما ثم إلا جمع أصفار.