لغة العيون
يقول جرير:
إنَّ العيونَ التي في طــــرفها حَوَرٌ ×× قتلننا ثم لم يحيينَ قتــــــــلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ×× و هُنَّ أضعفُ خلقِ الله إنسانا
باللهِ علــــــــــــــــــــيك يا أم عمرٍ ×× ردِّي عليَّ فؤادي مـــثلما كانا
قال ذلك جرير وهو يدرك بسجيته الشعرية أن للعيون لغة و أي لغة!!
فالعين التي قتلته هي العيون التي في طرفها حور.
و الحور هو:شدة بياض العين و سوادها.
فهن يصرعْنَ الرجل الرشيد حتى كأنه ميت لا حراك به مع أنهن أضعف خلق الله إنساناً.
نعم إن العيون ليست وسيلة فقط لرؤية الخارج بل هي وسيلة بليغة للتعبير عما في النفوس والقلوب ونقله للخارج.
نعم إن العيون تتحدث بالنظرات و تتكلم بلغةٍ لا تفهمها غير العيون.
فهناك النظرات القلقة المضطربة.
و غيرها المستغيثة المهزومة المستسلمة.
وأخرى الحاقدة الثائرة.
و الساخرة، و المصممة، و السارحة اللامبالية.
و المستفهمة والمحبة.
و غيرها.
كلها نظرات تحكيها لغة واحدة هي لغة العيون عنا شئنا ذلك أم أبينا.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه اللغة و أثبتها و سمى بعضاً من نظراتها.
ﭧﭨﭽﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭼغافر
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: يعلم الله تعالى من العين في نظرها هل تريد الخيانة أم لا ؟
و قال ابن كثير: فإنه عز وجل يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة.
ﭧﭨﭽﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﭼالأحزاب
ولقد أشارت الأحاديث الشريفة إلى لغة العيون، يقول صلى الله عليه وسلم: ( إن الرجل إذا نظر إلى امرأته، ونظرت إليه، نظر الله إليهما نظرة رحمة، فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما ).
ورحم الله ابن القيم الذي قال : إن العيون مغاريف القلوب بها يعرف ما في القلوب وإن لم يتكلم صاحبها .
فهل نظرت يوما أخي الكريم أختي الكريمة إلى عينيك في المرآة؟!.
هل تأملت جمالهما و روعتهما ؟!.
أم أنك تنظر إلى عيون الآخرين فقط ؟!!.
هل فكرت يوماً بأن لعينيك لغةً لا تفهمها إلا عيون الآخرين؟!.
لغةٌ تتجاوز كل الحدود، و لا تحتاج إلى ترجمان، إذ تفهمها عيون كل البشر و إنْ اختلفت ألسنتهم و ألوانهم.
قد تعجز لسانك أحياناً عن الكلام.
أو يخونك التعبير عن أحاسيسك و مشاعرك.
فيصيبك القلق، و يعصر قلبك الارتباك، و تشعر لحظتها بأنك أخرس.
فلا تخف .....
لأن لعينيك لغة لا تخفي شيئاً عن عيون من تنظر إليه.
فللعيون لغة لا تفهمها إلا العيون.
فإن عجزت عن الكلام أو التعبير عن أحاسيسك و مشاعرك، فانظرْ فقط إلى عيني من هو أمامك و دعهما تخبرانه عما في قلبك و تأكد بأنهما لن تخفيا عنه شيئاً.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت ×× عيني في لغة الهوى عيناك
وقال الإمام الشافعي يصف ما حل برجل:
مرض الحبيـب فعُدته ×× فمرضت من حزني عليه
جاء الحبيب يزورني ×× فبرئت من نظـــــري إليه
وقال آخر:
إن العيون لتبدي في نواظرها ×× ما في القلوب من البغضاء والإحن
وقال الآخر أيضاً:
العين تبدي الذي في قلب صاحبها ×× من الشناءة أو حــــــــب إذا كانا
إن البغيض له عين يصـــــــــدقها ×× لا يســـتطيع لما في القلب كتمانا
فالعين تنطق والأفواه صـــــــامتة ×× حتى ترى من صميم القلب تبيانا
والإنسان في تعامله مع لغة العيون يتعامل معها كوسيلة تعبير عما في نفسه للآخرين، وكذا يتعامل معها كوسيلة لفهم ما في نفوس الآخرين.
وهناك طرائق كثيرة تستطيع بواسطتها أخي الكريم أختي الكريمة إيصال مرادك بعينيك و منها:
* أن تكون عيناك مرتاحتين أثناء الكلام مما يشعر الآخر بالاطمئنان إليك والثقة في سلامة موقفك وصحة أفكارك.
* تحدث إليه ورأسك مرتفع إلى الأعلى ، لأن طأطأة الرأس أثناء الحديث ، يشعر بالهزيمة والضعف والخور .
* لا تنظر بعيداً عن المتحدث أو تثبت نظرك في السماء أو الأرض أثناء الحديث، لأن ذلك يشعر باللامبالاة بمن تتحدث معه أو بعدم الاهتمام بالموضوع الذي تتحدث فيه.
* لا تطيل التحديق بشكل محرج فيمن تتحدث معه .
* أحذر من كثرة الرمش بعينيك أثناء الحديث، لأن هذا يشعر بالقلق واضطراب.
* ابتعد عن لبس النظارات القاتمة أثناء الحديث مع غيرك، لأن ذلك يعيق بناء الثقة بينك وبينه.
* أحذر من النظرات الساخرة الباهتة إلى من يتحدث إليك أو تتحدث معه، لأن ذلك ينسف جسور التفاهم والثقة بينك وبينه، ولا يشجعه على الاستمرار في التواصل معك ورب نظرة أورثت حسرة.
فما أسهله، وما أيسرها من لغة! أجل .
فالنظر لا يحتاج جهداً ولا طاقة ولا صحة، نظرة يستطيع أن يقوم بها الزوج الأخرس والمريض والمشلول والأصم، يستطيع الزوجان أن يتبادلانها في اليوم مرات كثيرة، في كل مكان من البيت، وفي كل وقت من ليل أو نهار.
فالعين مفتاح القلب.
يقول أحمد شوقي:
نظرة ، فابتسامة ، فسـلام ×× ُفكلام ، فموعـد ،فَلِقـاء